
كشف الشاهد المعروف سابقاً بلقب “حفّار القبور” عن صورته واسمه الحقيقي للمرة الأولى، بعد سنوات من الشهادات التي قدّمها في الكونغرس الأميركي ومحكمة كوبلنز في ألمانيا، لتوثيق جرائم النظام المخلوع بحق المعتقلين.
وفي أول تصريح علني باسمه الكامل، قال “حفّار القبور” خلال مشاركته في مؤتمر عربي بجامعة “هارفارد” الأميركية، إنه يدعى محمد عفيف نايفة، وهو من سكان مدينة دمشق.
وأشار إلى أن الشهادات الموثقة التي قدّمها أمام الكونغرس و”محكمة جرائم الحرب في سوريا” بألمانيا، أسهمت، إلى جانب الصور التي سرّبها المصوّر العسكري المنشق “قيصر” (فريد المذهان)، في إيصال حجم الجرائم إلى الرأي العام العالمي، خاصة ما يتعلق بإلقاء آلاف الجثث في مقابر جماعية، بينها جثث أطفال قضوا تحت التعذيب.
وتناول نايفة، خلال كلمته في المؤتمر، التأثير الدولي لشهاداته، مؤكداً أنها كانت من بين العوامل التي دفعت واشنطن ودولاً أخرى إلى فرض عقوبات اقتصادية على النظام المخلوع، في محاولة للرد على انتهاكاته الممنهجة لحقوق الإنسان.
كما دعا إلى رفع العقوبات المفروضة على سوريا، موضحاً أن الشعب السوري لا يزال يتحمّل نتائجها رغم مرور أكثر من أربعة أشهر على سقوط النظام، مشدداً على ضرورة تقديم كل من تورّط في ارتكاب الجرائم بحق السوريين إلى العدالة.
“حفّار القبور”.. شاهد على رعب المقابر الجماعية في سوريا
ظهر “حفار القبور”، للمرة الأولى في أيلول عام 2020 خلال شهادته أمام محكمة كوبلنز الألمانية، في سياق محاكمة الضابط السابق في مخابرات النظام المخلوع أنور رسلان.
وأدلى بشهادته متنكراً، مخفياً وجهه خلف قناع لم ينزعه طوال ثلاث ساعات من الإدلاء بشهادات صادمة وأثارت الذهول بين القضاة والصحفيين الألمان الحاضرين وأعادت إلى أذهانهم جرائم النازيين.
وروى “حفّار القبور” مشاهد مروعة مما رآه خلال خدمته في قوات النظام المخلوع، من بينها جثة امرأة كانت تعانق طفلها الميت بين ذراعيها في أسفل ردمة جثث نُقلت إلى مقبرة جماعية في دمشق، ومشهد رجل كان لا يزال يتنفس بين آلاف الجثث، حين أمر ضابط بتسيير الجرافة فوقه لدفنه حياً. ووقتها لم يتمالك الشاهد نفسه أثناء سرد هذه الوقائع، فانهار بالبكاء ما اضطر القاضية إلى طلب استراحة.
ووفقاً لشهادته، كانت الشاحنات المحملة بالجثث تصل إلى موقعه مرتين أسبوعياً من مستشفيات تشرين وحرستا والمزة العسكرية، بالإضافة إلى فروع المخابرات في دمشق، وكانت تضم ما بين 300 إلى 600 جثة في كل شحنة، جرى إعدام معظم أصحابها تحت التعذيب، أو نتيجة التجويع، أو عبر الإعدامات الميدانية.
وأشار إلى أنه كان يتم تسلم ثلاث إلى أربع شاحنات صغيرة، تحمل كل منها بين 30 و40 جثة، لمدنيين أعدموا في سجن صيدنايا، موضحاً أن الجثث كانت لا تزال دافئة عند استلامها. وبعد سبع سنوات من العمل في هذا المجال، تمكّن من الفرار إلى أوروبا.
وبدأت قصة “حفّار القبور” عام 2011، حين جنده أحد عناصر النظام المخلوع وطلب منه تشكيل فريق يضم بين 10 و15 شخصاً لمرافقة شاحنات الجثث أربع مرات أسبوعياً. وكانت تلك الشاحنات تضم مئات الجثث المكدسة، وتُنقل بين الساعة الرابعة والخامسة فجراً إلى مقابر جماعية في منطقتي القطيفة شمالي دمشق، ونجها جنوبها.
ووصف طريقة الدفن بأنها كانت عشوائية، حيث تُفرغ الجثث في حفر عملاقة يصل عمقها إلى 6 أمتار وطولها إلى 100 متر، وقد يستغرق ملء كل حفرة نحو 150 نقلة. وأكد أن معظم الجثث كانت دون أسماء، وبعضها مشوه بالأسيد، وموسومة فقط بأرقام أو رموز محفورة على الجبين أو الصدر. وكلها تحمل آثار تعذيب وكدمات وأظافر مقتلعة.