
أكد الباحث وأستاذ السياسة الدولية مروان قبلان، أن الظروف التي تمر بها سوريا لا تبرر غياب الإجماع الوطني في تشكيل مجلس الشعب، مشيراً إلى ضرورة إطلاق حوار وطني بين جميع المكونات.
وأوضح قبلان في حديثه لتلفزيون سوريا أن المجلس الجديد قد يتحول إلى خطوة إضافية نحو مزيد من الانقسام الوطني، نظراً لغياب المشاركة من محافظات أساسية مثل السويداء والحسكة والرقة، إضافة إلى الجدل الذي شاب العملية الانتخابية، من انسحابات واستبعادات وإعادة مرشحين، وهو ما أضر – برأيه – بشرعية التشكيل.
انتقادات للعجلة في تشكيل المجلس
ورأى قبلان أن السلطة استعجلت في تشكيل مجلس الشعب من دون مبرر، قائلاً: “كان يمكن الانتظار أشهراً أو حتى سنة إضافية، بدلاً من تشكيل مجلس يثير الجدل والانقسام”.
وأضاف أن بعض المسؤولين المقربين من الإدارة السورية، يفاخرون بسرعة إنجاز الانتخابات مقارنة بدول أخرى كليبيا وتونس، في حين الأفضل -بحسب تعبيره- أن تُجرى انتخابات “شفافة وديمقراطية فيها حرية ومشاركة وإجماع وطني، حتى لو تطلبت وقتاً أطول”.
غياب المشاركة الوطنية
وانتقد أستاذ السياسة الدولية المسار الانتقالي منذ بدايته، مبيناً أنه جرى بالكامل من طرف السلطة من دون مشاركة فئات المجتمع السوري، بدءاً من مؤتمر النصر والحوار الوطني، مروراً بالإعلان الدستوري وتشكيل الحكومة ومجلس الشعب.
وشدد على أن استمرار هذا النهج “لا يعزز الوحدة الوطنية بل يعمّق الانقسام”، محذراً من أن الإقصاء طال شرائح واسعة، بما فيها فئات من الغالبية وليس الأقليات فقط.
مسار بلا حياة سياسية
وأشار قبلان إلى أن ما جرى ليس انتخابات حقيقية بل عملية تعيين، موضحاً أن نحو ستة أو سبعة آلاف شخص فقط انتخبوا أعضاء المجلس، في حين حُرم باقي السوريين من المشاركة.
وأضاف: “لا يمكن تشكيل مجلس شعب دون حياة سياسية في البلاد، فالأحزاب حُلّت والنقابات تُعيَّن قياداتها، فلا وجود لحياة حزبية أو ديمقراطية حقيقية.”
صلاحيات شكلية بلا رقابة
وتوقف قبلان عند الصلاحيات المحدودة التي منحها الإعلان الدستوري الصادر في 13 آذار لمجلس الشعب، قائلاً إن المجلس “لا يستطيع محاسبة الحكومة ولا حجب الثقة عنها، لأنها مسؤولة أمام الرئيس فقط”، مضيفاً أن المجلس “مُعيَّن بالكامل تقريباً، وبالتالي لا يمكنه معارضة من عيّنه”.
وتابع: “الإعلان الدستوري يتحدث عن فصل السلطات، لكن الواقع أن السلطة التنفيذية تهيمن على التشريعية والقضائية، فالرئيس يعيّن المحكمة الدستورية العليا وأعضاء المجلس معاً، فأين هو الفصل بين السلطات؟”.
تحذير من تكريس الانقسام
ورأى قبلان أن تشكيل المجلس في ظل غياب محافظات أساسية مثل السويداء والحسكة والرقة يعمّق الانقسام السوري، مشدداً على أن معالجة ذلك لا تكون بالإقصاء بل بالحوار، مشيراً إلى أن بعض التيارات في السويداء لا تمثل المحافظة، لكن مقاطعة المنطقة بكاملها نتيجة لغياب التفاهم الوطني أمر خطير.
وأكد أن المطلوب هو “تفاهم وطني يشمل جميع المكونات والمناطق السورية”، لأن ما يجري اليوم “استئثار وإقصاء واستبعاد لشرائح واسعة، بما فيها المكون الأغلبي نفسه”.
الدعوة إلى حوار وطني شامل
وشدد قبلان على ضرورة إطلاق عملية سياسية شاملة يشارك فيها جميع السوريين بمختلف طوائفهم ومناطقهم، مضيفاً أن بناء دولة جديدة “يتطلب إجماعاً وطنياً وحواراً جاداً حول القضايا المصيرية”، لا قرارات منفردة.
وقال: “الاستعجال في تشكيل المجلس يعني تكريس شكل محدد للسلطة، وقد يقود إلى مزيد من التعقيد والانقسام الداخلي، في حين التجارب العربية السابقة – كتونس مثلاً – أظهرت أن الانتظار لبناء مؤسسات شرعية أكثر فاعلية هو الخيار الأفضل.”
تحذير من تكرار تجربة الإعلان الدستوري
ودعا أستاذ السياسة الدولية إلى عدم تكرار أخطاء الإعلان الدستوري في مرحلة كتابة الدستور المقبل، مشيراً إلى أن تشكيل لجنة من طرف الرئيس سيعيد إنتاج الأزمة ذاتها.
واقترح أن يُطلق مؤتمر حوار وطني حقيقي تُنتخب منه لجنة لكتابة الدستور بمشاركة أوسع طيف من القوى السياسية والشخصيات الوطنية.
وتابع: “لا توجد حياة سياسية حقيقية في سوريا، والأحزاب حُلّت، والنخب السياسية مُقصاة عن السلطة. حتى مؤتمر الحوار الأخير كان شكلياً والبيان الختامي أُعد مسبقاً.”
الحاجة إلى نجاح المرحلة الانتقالية
وأكد قبلان أن هدف السوريين جميعاً هو عبور المرحلة الانتقالية بنجاح، مشيراً إلى أن البديل عن ذلك هو الفوضى.
وقال: “نحن لا نريد فوضى، بل مساراً ناجحاً وواضحاً يحظى بقبول وطني، وعلى مجلس الشعب أن يتحمل مسؤوليته الوطنية ويتصرف بضمير تجاه مستقبل البلاد.”
رقابة لا إسقاط
وأوضح قبلان أن الهدف من الرقابة ليس إسقاط السلطة بل تقويمها وتصحيح مسارها، قائلاً: “السلطة بطبيعتها مفسدة إذا لم تُراقَب، ومهمتنا أن نحاسبها لا لإفشالها، بل لتصويب أدائها خدمة للوطن”.
وأضاف أنه يأمل أن يثبت أعضاء المجلس “قدرتهم على تحمل المسؤولية، وأن يفاجئوا السوريين بأداء وطني جاد يعكس ضمير المرحلة”.
وختم قبلان حديثه قائلاً: “نتمنى أن يتصرف أعضاء مجلس الشعب بروح وطنية، وأن يضعوا مصلحة البلد فوق كل اعتبار، لأن إقصاء السوريين عن المشاركة في بناء دولتهم سيؤدي إلى مزيد من الانقسام والعزلة”.
وأضاف: “كان الأجدر تأجيل الانتخابات حتى تتوفر الظروف المناسبة، فالعجلة في تشكيل المجلس لا تخدم سوريا، ومع ذلك نأمل أن يكون الأعضاء على قدر المسؤولية وأن يسعوا إلى أداء وطني صادق يساهم في بناء مستقبل أفضل للبلاد.”