أخبار سوريا

أوجلان يدعو إلى إلقاء السلاح وحل حزب العمال الكردستاني

أثارت دعوة الزعيم الكردي، عبد الله أوجلان، لنزع سلاح حزب “العمال الكردستاني” وحل نفسه تفاعلات سياسية واسعة على المستويات السورية والإقليمية والدولية، وسط تساؤلات عن مدى انعكاسات ذلك على المشهد في شمال شرقي سوريا، في وقت تتزايد فيه الضغوط لاندماج “قوات سوريا الديمقراطية”، التي تعتبر امتداداً لـ “العمال الكردستاني” في سوريا، ضمن الجيش السوري الجديد.

وفي حين رحّب بعضهم بخطوة أوجلان، معتبرين أنها فرصة لفتح الباب أمام تسويات سياسية، في تركيا وسوريا، حذّر آخرون من أنها قد تكون “إعلاناً سياسياً” من دون أي تأثير فعلي على الأرض، حيث تثير الدعوة تساؤلات فيما إذا كانت ستلقى آذاناً مصغية لدى مقاتلي حزب “العمال الكردستاني” وتنهي عقوداً من الصراع.

ودعا أوجلان (75 عاماً)، المسجون في جزيرة إمرالي قبالة إسطنبول التركية منذ العام 1999 بتهمة “الخيانة”، جماعته المسلحة إلى إلقاء السلاح وحل نفسها، كجزء من محاولة جديدة لإنهاء صراع مستمر منذ أربعة عقود مع الحكومة التركية، أودى بحياة عشرات الآلاف من الأكراد.

وفي رسالة قرأها سياسيون أتراك من حزب “الديمقراطية ومساواة الشعوب”، قال أوجلان “اعقدوا مؤتمركم واتخذوا قراراً. يجب على جميع المجموعات إلقاء أسلحتها، ويجب على حزب العمال الكردستاني حل نفسه”.

مظلوم عبدي: لا علاقة لنا

حتى لحظة إعداد هذا التقرير، لم تصدر الحكومة السورية أي تعليق رسمي على دعوة أوجلان لنزع سلاح “العمال الكردستاني” وحلّه، في حين رحّبت بعض الأوساط السياسية بالدعوة، معتبرة أنها قد تشكل خطوة نحو تحجيم نفوذ “العمال الكردستاني” العسكري في المنطقة، مما يسهّل المفاوضات بين الحكومة السورية و”قسد”.

وتعليقاً على ذلك، أكد قائد “قوات سوريا الديمقراطية”، مظلوم عبدي، أن إعلان أوجلان “يخص حزب العمال الكردستاني فقط، ولا علاقة له بقواته في سوريا”، مشدداً على أن “الأوضاع الراهنة في شمال شرقي سوريا تتطلب مقاربة مختلفة”.

وقال عبدي إن “الإعلان يتعلق بحزب العمال الكردستاني فقط، ولا علاقة له بنا في سوريا”، لكنه وصف إعلان أوجلان بأنه “إيجابي”، لأنه “يدعو لإنهاء الحرب والبدء بعملية سياسية سلمية داخل تركيا”.

وأكد قائد “قسد” أن أوجلان أرسل إليهم رسالة بخصوص الإعلان، لافتاً إلى أنها “حملت مضموناً إيجابياً حول تحقيق الاستقرار في المنطقة، وتؤكد على السلام والأمن في المنطقة”.

وأضاف أن الهجمات التركية المستمرة في شمالي سوريا “لها تداعيات مباشرة على الوضع السياسي والعسكري في المنطقة، وتؤثر على مفاوضاتنا الحالية مع دمشق والحملة على تنظيم الدولة الإسلامية”، مشيراً إلى أنه “إذا تحقق السلام في تركيا فهذا يعني أنه لا مبرر لمواصلة الهجمات علينا هنا في سوريا”.

صالح مسلم: سنترك السلاح إذا سُمح لنا بالعمل السياسي

من جانبه، أكد صالح مسلم، زعيم “حزب الاتحاد الديمقراطي”، الجناح السوري لحزب “العمال الكردستاني”، أنهم “مستعدون لترك العمل المسلح إذا سُمح لهم بالعمل السياسي”، موضحاً أنه “لن تكون هناك حاجة للسلاح إذا سُمح لنا بالعمل السياسي والديمقراطي، وإذا اختفت أسباب حمل السلاح فسوف نتخلى عنه”.

وقال مسلم إن “هذه الدعوة لم تخرج عن الإطار المتوقع مسبوقاً، وهو أن الظروف التاريخية لبدء الكفاح المسلح وحمل السلاح كان في إطار الدفاع المشروع عن الذات، وإذا توفرت الحماية للمجتمع وأفسح المجال أمام الحزب لتنظيم نفسه فلن يبقى هناك حاجة للسلاح”.

واعتبر زعيم حزب “الاتحاد الديمقراطي” أن أوجلان “لديه قناعة في أن العمل السياسي هو الأفضل، ونحن ننضم إلى هذه الدعوة لأننا في إقليم شمال شرقي سوريا حملنا السلاح دفاعاً عن النفس، وإذا توقفت الهجمات علينا سنضع السلاح لأننا لسنا من عشاق السلاح”.

ترحيب واسع في تركيا

وفي تركيا، لاقت دعوة أوجلان ترحيباً واسعاً بين القوى السياسية، في حين أكد بعضهم على أن الدعوة التي أطلقها زعيم “العمال الكردستاني” يجب أن ترتبط بخطوات عملية على الأرض.

ورحّب حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا بدعوة أوجلان، معرباً عن أمله في أن تستجيب لها قيادات حزب “العمال الكردستاني”.

وقال رئيس حزب “الشعب الجمهوري” المعارض في تركيا، أوزغور أوزيل، إن حزبه “يحافظ على موقفه بأن القضية الكردية يجب أن تتم معالجتها وحلها بشفافية، تحت سقف الجمعية الوطنية الكبرى التركية، من خلال إشراك جميع شرائح المجتمع”، مضيفاً أن “الدعوة الموجهة إلى المنظمة الإرهابية لإلقاء سلاحها وحل نفسها مهمة، ونأمل أن تتحرك وفقاً لمتطلبات هذه الدعوة”.

بغداد وأربيل: دعوة أوجلان خطوة نحو الاستقرار

عربياً، رحبت وزارة الخارجية العراقية بإعلان عبد الله أوجلان، معتبرة أنها “خطوة إيجابية ومهمة في تحقيق الاستقرار في المنطقة”.

وفي بيان لها، قالت الخارجية العراقية إن “هذه المبادرة خطوة بالغة الأهمية نحو تعزيز الأمن، ليس فقط في العراق، حيث تتواجد عناصر مسلحة للحزب المذكور في مناطق مختلفة في كردستان العراق وبعض القصبات والمدن الأخرى، بل في المنطقة بأسرها”.

كما رحّب رئيس إقليم كردستان العراق، نيجيرفان بارزاني، بدعوة أوجلان، مبدياً “ترحيباً حاراً برسالة السيد أوجلان، ودعوته لنزع السلاح ووقف النضال المسلح لحزب العمال الكردستاني”، مؤكداً “نحن في إقليم كردستان ندعم عملية السلام بشكل كامل، ومستعدون للعب دور تسهيلي وتقديم أي مساعدة ضرورية لدفع العملية إلى الأمام”.

من جهته، قال رئيس الحزب “الديمقراطي الكردستاني”، مسعود بارزاني، إن “السلام هو السبيل الصحيح الوحيد لحل الخلافات”، معرباً عن أمله بأن تكون رسالة أوجلان “بداية لوضع عملية السلام في مسارها والتوصل إلى نتيجة تصب في مصلحة جميع الأطراف”.

“بصيص أمل” و”تطور مهم”.. ترحيب أممي ودولي

دولياً، رحّب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بدعوة زعيم حزب “العمال الكردستاني”، لنزع السلاح وحل الحزب نفسه.

وفي المؤتمر الصحفي اليومي، قال المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، إن الأمين العام “يرحب بهذا التطور المهم”، مضيفاً أنه “يمثل بصيص أمل يمكن أن يؤدي إلى حل صراع طويل الأمد”.

وفي الولايات المتحدة الأميركية، رحب البيت الأبيض بدعوة أوجلان، مؤكداً أن هذه الخطوة “ستساعد في إحلال السلام في هذه المنطقة المضطربة”.

وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض، بريان هيوز، إن دعوة أوجلان “تطور مهم، ونأمل أن يساعد في تطمين حلفائنا الأتراك بشأن شركاء الولايات المتحدة في مكافحة تنظيم داعش بشمال شرقي سوريا”.

كما رحبت المملكة المتحدة بما وصفته “التقدم المحرز نحو السلام والأمن لشعب تركيا، الحليف الوثيق لحلف شمال الأطلسي، والشريك القديم في مكافحة الإرهاب”، داعية جميع الأطراف إلى “الانخراط في عملية سلمية وبناءة تضمن الأمن والاستقرار واحترام سيادة القانون”.

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية البريطانية إن المملكة المتحدة “ملتزمة بدعم الجهود الرامية إلى الحد من الصراع وتعزيز الاستقرار في تركيا وفي مختلف أرجاء المنطقة على نطاق أوسع”.

وفي ألمانيا، قال متحدث باسم الحكومة الألمانية إن المستشار الألماني، أولاف شولتز، رحب بدعوة أوجلان لإلقاء السلاح وحل حزب “العمال الكردستاني”، مضيفاً أن الدعوة “تقدم فرصة أخيرة للتغلب على هذا الصراع العنيف والتوصل إلى تطور سلمي دائم في القضية الكردية”.

وفي تصريح آخر، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية إن “إنهاء العنف يشكل خطوة أولى مهمة، ولكن هناك حاجة إلى خطوات أخرى للوصول إلى حل مستدام للشعب في تركيا. وهذا يشمل احترام ودعم الحقوق الثقافية والديمقراطية للأكراد”.

نقطة تحول

وعلى الرغم من قضائه حكماً مؤبداً بالسجن، لا يزال عبد الله أوجلان يمارس نفوذاً كبيراً على حزب “العمال الكردستاني”، ومن المتوقع أن تستجيب قيادة الحزب لأي دعوة يوجهها، رغم أن بعض التيارات داخل الحزب قد تعارض ذلك.

وتشكل دعوة أوجلان، التي وصفتها وسائل إعلام تركية بأنها “تاريخية”، جزءاً من جهد جديد من أجل السلام بين حزب “العمال الكردستاني” والدولة التركية، والذي بدأ في تشرين الأول الماضي، على يد شريك الائتلاف الحاكم في تركيا، رئيس حزب “الحركة القومية”، دولت بهتشلي، الذي اقترح أن يُمنح أوجلان الإفراج المشروط إذا نبذت جماعته العنف وحلت نفسها.

ورغم أن تداعيات دعوة أوجلان غير واضحة حتى الآن، فإنها من المؤكد ستشكل نقطة تحول في مسار الأزمة الكردية في سوريا والمنطقة، في ظل التوازنات السياسية والعسكرية المعقدة التي تحكم المشهد الإقليمي، وفق ما ذكرت وكالة “رويترز”.

ووفق محللين، فإن دعوة أوجلان ستؤثر بشكل مباشر على مستقبل “قسد” في شمال شرقي سوريا، وقد تدفعها نحو تسريع المفاوضات مع الحكومة السورية للاندماج في الجيش السوري، أو قد تؤدي إلى انقسامات داخلية بين مؤيد ومعارض لهذه الخطوة، في حين يبقى الموقف التركي عاملاً رئيسياً في تحديد مدى نجاح أو فشل هذه المبادرة.

حزب “العمال الكردستاني”

وتأسس حزب “العمال الكردستاني” في العام 1978، من قبل طلاب في جامعة أنقرة، للدفاع عن مطلب إقامة دولة كردية مستقلة في جنوب شرقي تركيا من خلال الكفاح المسلح، واختار هؤلاء عبد الله أوجلان، الذي كان طالباً في قسم العلوم السياسية، رئيساً له.

في العام 1980، أجبر انقلاب عسكري تركي كوادر حزب “العمال الكردستاني”، بمن فيهم أوجلان، على الفرار، وتوزعوا بين سوريا ولبنان، وفي أثناء وجود هذه الكوادر بدأت بالعمل على استراتيجية الكفاح المسلح.

وشن الحزب هجمات دامية ضد مواقع وقوافل عسكرية تركية، ما قوبل بحملات أمنية من السلطات في تركيا، والتي تسببت بعد ذلك بموجات من العنف، خصوصاً في جنوب شرقي البلاد ذي الأغلبية الكردية، وخلف هذا الصراع أكثر من 40 ألف قتيل منذ العام 1984.

تنقل أوجلان بين العديد من الدول الأوروبية، واستقر في سوريا، إلا أن أزمة اندلعت، في العام 1999، بعد أن هددت الحكومة التركية نظام حافظ الأسد بالرد عسكرياً إذا واصلت إيواءه، ليغادر دمشق إلى روسيا ثم إيطاليا ثم اليونان، ليلقى القبض عليه بعد ذلك في العاصمة الكينية نيروبي.

وسبق أن أطلق عبد الله أوجلان دعوتين سابقتين إلى الهدنة، الأولى في أيلول 2006، حينئذ طلب من حزبه عدم استخدام السلاح إلا في الدفاع عن النفس، والثانية في آذار 2013، دعا فيها مقاتلي حزبه إلى وقف إطلاق النار ضد الحكومة التركية وسحب المقاتلين من تركيا إلى شمالي العراق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى