
أكد رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا، باولو بينيرو، إن “المساءلة مفتاح العدالة” في سوريا، محذراً من أن “اليأس الاقتصادي يغدي العنف”.
وفي كلمة أمام الدورة الـ 58 لمجلس حقوق الإنسان المنعقدة في جنيف، قال بينيرو إنه “إنه يتعين على الشعب السوري تقرير الخطوات التي سيتخذها في المستقبل، والتي يمكن أن تتخذ أشكالاً متعددة، بما في ذلك كشف الحقيقة، والبحث عن المختفين، والإصلاحات، وعمليات المساءلة”.
وأضاف أن “حكومة تصريف الأعمال والسلطات السورية المستقبلية لديها فرصة لرسم مسار جديد، وضمان عدم تكرار أهوال الماضي والأسابيع القليلة الماضية، وإعادة بناء الثقة بطريقة تحترم جمال المجتمع السوري وتنوعه”.
وشدد بينيرو على أن “إنهاء العنف المستمر في البلاد يتطلب وقفاً كاملاً لإطلاق النار على الصعيد الوطني، ونزع سلاح الجماعات المسلحة وإعادة دمجها، وتأمين النظام العام، وإنهاء وجود الجيوش الأجنبية على الأراضي السورية”.
مستقبل سوريا يحدده كيفية تعامل السلطات مع الانتهاكات
وفي إشارة إلى أحداث الساحل السوري الأخيرة، قال بينيرو إنه “من المثير للقلق استمرار العنف والأعمال العدائية في عدة أجزاء من البلاد، مما ينذر بالعودة إلى صراع أوسع نطاقاً”.
وذكر أنه “لم يكن من المتوقع أبداً أن تلتئم الجروح التي خلفتها عقود من الدكتاتورية وانتهاكات حقوق الإنسان المتفشية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بسرعة”، مشيراً إلى أن “مستقبل سوريا سيُحدَد بواسطة كيفية تعامل السلطات والشعب السوري مع انتهاكات الماضي، وتلك الأخيرة”.
ولفت رئيس لجنة التحقيق المستقلة إلى أنه أحيط علماً بالخطوات العاجلة التي اتخذتها الحكومة السورية، بما في ذلك إنشاء لجنة تحقيق مستقلة في الأحداث الأخيرة، معرباً عن أمله في لقاء هذه اللجنة في دمشق قريبا، والتي “سيتعين عليها العمل من دون تدخل، والحفاظ على استقلاليتها ونزاهتها، وتقديم نتائجها بشكل شامل إلى الحكومة والشعب السوري”.
الحكومة السورية منحت إمكانية الوصول الفوري
من جانب آخر، قال بينيرو إن الحكومة السورية منحت اللجنة إمكانية الوصول الفوري إلى سوريا، مما أتاح فرصاً لإجراء مناقشات تمهيدية مع السلطات الجديدة حول عدد من قضايا حقوق الإنسان.
وأفاد بأنه منذ كانون الأول الماضي، زارت اللجنة مراكز احتجاز سابقة تابعة لنظام الرئيس المخلوع، بشار الأسد، في دمشق وريفها، بما في ذلك سجن صيدنايا العسكري، وفرع مطار المزة التابع للمخابرات الجوية، وفرع فلسطين 235 التابع للمخابرات العسكرية، حيث سبق توثيق أعمال تعذيب وإعدامات بإجراءات موجزة.
وقال إن اللجنة التقت بضحايا وشهود وفاعلين في المجتمع المدني يعملون بنشاط على تعزيز حقوق الإنسان والعدالة والسلام، مضيفاً أن هذه الزيارات “أكدت لنا قوة الشعب السوري وصموده، الذي يعمل بجد لتمهيد الطريق لعودة مزيد من مواطنيه إلى ديارهم بطريقة آمنة وطوعية وكريمة”.
اليأس الاقتصادي يغذي العنف
وأشار رئيس لجنة التحقيق المستقلة إلى لقاءات أجرتها اللجنة بالعديد من العائلات التي لم يكن أحباؤها المفقودون من بين السجناء المفرج عنهم في كانون الأول الماضي، موضحاً أن هؤلاء “يريدون الآن معرفة حقيقة مصير المفقودين، ويريدون العدالة”.
وأكد أن “توضيح مصير عشرات آلاف الأشخاص الذين ما زالوا مختفين سيتطلب جهداً واسع النطاق تقوده السلطات المؤقتة، إلى جانب الدعم الفني من هيئات حقوق الإنسان والهيئات الإنسانية”.
ولفت إلى أن السوريين الذين التقت بهم اللجنة “دعوا باستمرار إلى العدالة والمساءلة باعتبارهما عاملين حاسمين في مداواة جراح الصراع، من خلال مجموعة من الإجراءات، ليس فقط الإجراءات الجنائية ضد الجناة رفيعي المستوى، ولكن أيضاً تدابير أوسع نطاقاً لضمان الحق في معرفة الحقيقة والتعويض وعدم تكرار الفظائع الجماعية”.
وحذّر بينيرو من أن الوضع الاقتصادي والإنساني في سوريا اليوم “لا يزال كارثياً، في حين يتضاءل التمويل الإنساني”، مشيراً إلى أنه “من المعروف أن اليأس الاقتصادي يُغذي العنف”.
ودعا رئيس لجنة التحقيق المستقلة إلى “إنهاء جميع العقوبات القطاعية، وإزالة العوائق الأخرى أمام التعافي وإعادة الإعمار”.
وضع متقلب في الجنوب
وعن الوضع في جنوبي سوريا، قال بينيرو إن الوضع “لا يزال متقلباً، مع تزايد الهجمات والتوغلات التي تنفذها إسرائيل منذ 9 كانون الأول الماضي، مما أدى إلى زعزعة استقرار البلاد بشكل كبير في محاولتها للتعافي”.
وأضاف أن “أوامر الإخلاء الإسرائيلية أدت إلى نزوح المدنيين في ريف القنيطرة، على ما يبدو من دون أي سبب عسكري قاهر، وتمتد إلى ما هو أبعد بكثير من الخطوط المتفق عليها في اتفاق فض الاشتباك بين القوات لعام 1974”.
وفيما يتعلق بشمالي البلاد، أشار بينيرو إلى التقارير التي تفيد بأن تنظيم “داعش” يزيد من أنشطته في وسط وشرقي سوريا، ولا يزال آلاف الأشخاص الذين يُزعم أنهم ينتمون إلى التنظيم محتجزين لدى “قوات سوريا الديمقراطية”.
ودعا الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان إلى إعادة مواطنيها من شمال شرقي سوريا إلى أوطانهم، وتقديم المسؤولين عن الجرائم إلى العدالة.
ولفت بينيرو إلى الاتفاق بين الحكومة السورية و”قوات سوريا الديمقراطية”، معتبراً أن الاتفاق “تم ليس فقط على وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني، ولكن أيضاً على ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة السياسية في المستقبل”.
وأشار رئيس لجنة التحقيق المستقلة بشأن سوريا إلى أن اللجنة أحيطت علماً بالإعلان الدستوري الذي أعلنته الحكومة السورية، في 13 آذار الجاري، باعتباره القانون الأساسي للبلاد للسنوات الخمس المقبلة، مؤكداً أن “الكثير يعتمد على كيفية تنفيذ أحكام النص الدستوري واحترامها في جميع أنحاء البلاد”.