تعقيدات تقف أمام التقارب بين أنقرة ودمشق: الطريق الطويل نحو التطبيع
قالت “منى يعقوبيان”، نائبة رئيس مركز “الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” في “معهد السلام” الأمريكي، إن المصالحة بين أنقرة ودمشق “لن تحصل بين عشية وضحاها، بغض النظر عما يحدث، حتى لو جرى لقاء بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وبشار الأسد”. وأوضحت في حديث لوكالة الصحافة الفرنسية، أن التعقيدات العالقة في عدة ملفات تجعل من المؤكد أن استعادة العلاقات بين أنقرة ودمشق “ستكون تدريجية وطويلة الأمد”.
وأكدت يعقوبيان أن الانتظار لمعرفة ما إذا كان بالإمكان إعادة صياغة اتفاق “أضنة”، بعد سيطرة الأكراد على مساحات واسعة شمال وشرق سوريا، أمر ضروري.
وفي السياق نفسه، صرح سونير كاغابتاي، مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن، بأن أنقرة “تريد من الأسد أن يقضي على حزب العمال الكردستاني.. عندها سيبدأ التطبيع الحقيقي في شمال غربي سوريا، مع التزام تركيا بسحب قواتها تدريجيًا”. وأشار إلى أن أردوغان قد يعترف بسلطة الأسد في شمال غربي سوريا خلال مرحلة انتقالية، على أن يبقى الأمن “في يد أنقرة”، بهدف إعادة اللاجئين السوريين من تركيا. لكنه أشار إلى أن “الجزء الصعب” هو أن الكثير من السوريين لا يرغبون في العيش تحت حكم الأسد مجددًا، مما قد يؤدي إلى عداء تجاه تركيا.
وعبّر آرون شتاين، رئيس معهد “أبحاث السياسة الخارجية” الأمريكي، عن اعتقاده بأن الوجود الأمريكي يجعل أي هجوم تركي بتفويض من دمشق تجاه الأكراد “خيارًا محفوفًا بالتحديات”. لذا، فإن تفعيل اتفاقية أضنة الموقعة بين تركيا وسوريا (1998) هو “الأداة الوحيدة المتاحة”، إذ تخول تركيا شن عمليات في سوريا على عمق خمسة كيلومترات من الحدود إذا تعرض أمنها القومي للخطر.
من جهته، قال ألكسندر يفيموف، سفير روسيا في دمشق، إن إجراء اتصالات مباشرة بين ممثلي سوريا وتركيا يجب أن يسبقه إعداد دقيق، مشيرًا إلى أن هذا الإعداد “جارٍ على قدم وساق”. وأكد أن الصيغة الرباعية (روسيا وإيران وسوريا وتركيا) تستمر في جهودها لتقريب التوجهات الأساسية بين دمشق وأنقرة، معتبراً أنه من المفيد إشراك دول أخرى في هذه العملية لتحفيز الخطوات ذات الصلة.
وفي السياق ذاته، صرح عمر أنهون، آخر سفير تركي في سوريا، بأن حل جميع المشكلات المتشابكة بين أنقرة ودمشق قد يستغرق سنوات طويلة. وأوضح في مقال بمجلة “المجلة” أن رد دمشق على دعوة أنقرة لإتمام عملية التطبيع لا يطرح شروطًا مسبقة، بل يحدد ما يجب تحقيقه بمجرد بدء العملية. ولفت إلى وجود قضايا رئيسة يجب معالجتها لجعل التطبيع ممكنًا ومستدامًا، أبرزها مسألة فصائل المعارضة في شمال غرب سوريا، وقوات “قسد” الكردية وحزب “العمال الكردستاني”، إضافة إلى أزمة اللاجئين في تركيا.
وأكد أنهون أن الأسد لم يغير سياساته أو “ممارساته الوحشية” التي أدت إلى انتفاضة عام 2011، بل لا يزال مصرًا على موقفه الرافض للمعارضة. واعتبر أن إجراء انتخابات حرة بمشاركة الجميع وتقاسم السلطة، حتى على أدنى مستوى، ما زالا احتمالين بعيدين عن التحقق. وأشار إلى أن الأزمة السورية ليست مجرد قضية ثنائية بين تركيا وسوريا، ولا يزال قرار مجلس الأمن رقم 2254 الخيار الأفضل لتشكيل إطار وأساس لتسوية سياسية شاملة في سوريا.
وأوضح أنهون في مقاله أن تركيا، بعد تصريحات أردوغان عن إمكانية إعادة العلاقات مع الأسد، مدركة أن التعامل مع الأسد “ضروري لمعالجة قضية اللاجئين”، حيث يمكن للأسد المساعدة في تحديد خارطة طريق لعودة السوريين. وأشار إلى أن الجهات الفاعلة الرئيسية مثل تركيا وإيران والولايات المتحدة وروسيا وبعض الدول العربية تظل حاسمة في تحديد مستقبل سوريا. وأضاف أن الوساطة الروسية أدت إلى تطورات في المجال الاقتصادي، حيث أعيد فتح معبر “أبو الزندين”، الذي يربط مناطق سيطرة “الجيش الوطني السوري” ودمشق شرق حلب، أمام الممرات التجارية.
وفي ختام المقال، أشار أنهون إلى أن تصريحات تركيا المتكررة حول التقارب مع سوريا قد تكون ضرورة مرحلية لتحقيق توازن انتخابي وإرضاء بعض القوى المطالبة بحل مشكلة اللاجئين وتقويض التنظيمات الإرهابية شمال سوريا. لكنه تساءل عما إذا كان أردوغان سيقبل بوضع يده بيد الأسد بعد كل هذه القطيعة والتصريحات لعقد من الزمن.