
بين سلطان الأطرش وحكمت الهجري: من صناعة المجد إلى تبديد الإرث
ليست المقارنة بين سلطان باشا الأطرش وحكمت الهجري مقارنةً بين شخصين فحسب، بل بين نهجين تاريخيين متناقضين: نهجٍ صنع مجداً وطنياً عابراً للطوائف، ونهجٍ قاد إلى العزلة والقطيعة والانكفاء. وما بين الرجلين، يقف الدروز اليوم أمام سؤال قاسٍ: كيف انتقلوا من موقع الرمز الوطني إلى موقع الهامش المأزوم؟
أولاً: سلطان الأطرش… الدروز في قلب الأمة
سلطان باشا الأطرش ليس شخصية درزية فقط، بل رمز وطني سوري وعربي. هذه ليست مبالغة خطابية، بل حقيقة تؤكدها الوقائع:
1. رفض الدويلة الدرزية
حين عرض الفرنسيون على سلطان الأطرش إقامة كيان درزي منفصل في جبل العرب، رفض بشكل قاطع. هذا الرفض لم يكن عاطفياً، بل سياسياً واعياً:
• أدرك أن الكيانات الطائفية مشاريع استعمارية.
• فهم أن حماية الدروز تكون داخل دولة وطنية قوية، لا في كانتون معزول.
2. قيادة الثورة السورية الكبرى (1925)
سلطان الأطرش لم يقد تمرداً محلياً، بل ثورة وطنية شاملة امتدت من جبل العرب إلى دمشق وحمص وحماة.
• قاتل باسم سوريا لا باسم طائفة.
• رفع علم الثورة السورية، لا راية مذهبية.
3. ترسيخ صورة الدروز كجزء أصيل من الأمة العربية والإسلامية
بعد الثورة، أصبح الدروز يُنظر إليهم بوصفهم طليعة نضالية لا جماعة منغلقة.
• نالوا احترام السوريين والعرب.
• لم يُشكك أحد في انتمائهم أو ولائهم.
النتيجة؟
عزة، كرامة، احترام، ومكانة سياسية ومعنوية رفيعة، رغم الفقر المادي آنذاك.
⸻
ثانياً: حكمت الهجري… من الوطنية إلى العزلة
في المقابل، قادت سياسات حكمت الهجري – خلال مرحلة مفصلية بعد تحولات كبرى في سوريا – إلى نتائج معاكسة تماماً، ويمكن تقييمها ليس بالنوايا، بل بالمخرجات:
1. عزل الدروز عن محيطهم السوري والعربي
الخطاب السياسي والديني الذي تبناه الهجري في السنوات الأخيرة اتسم بـ:
• الابتعاد عن الخطاب الوطني الجامع.
• التركيز على الخصوصية والانكفاء.
• فتح قنوات تواصل ملتبسة أثارت الريبة والشكوك.
النتيجة كانت واضحة:
تآكل الثقة بين الدروز ومحيطهم السوري، وازدياد الشكوك العربية والإسلامية تجاههم.
2. إلحاق الدروز بمحاور معادية للوجدان العربي
بغض النظر عن التبريرات، فإن أي تموضع يُفهم – شعبياً وسياسياً – على أنه تقاطع مع إسرائيل، ولو بصورة غير مباشرة، هو انتحار سياسي وأخلاقي في بيئة عربية ما زالت تعتبر إسرائيل عدواً مركزياً.
• سلطان الأطرش حارب الاستعمار.
• الهجري أدخل الطائفة في منطقة رمادية قاتلة.
3. تفكيك الإرث الرمزي لسلطان الأطرش
أخطر ما حدث ليس الفقر ولا الحصار، بل تحطيم الصورة التاريخية التي بناها سلطان الأطرش للدروز:
• من رمز نضالي إلى جماعة متهمة.
• من شريك وطني إلى عبء سياسي في نظر كثيرين.
⸻
ثالثاً: لغة النتائج لا الأكاذيب
السياسة تُقاس بالنتائج، لا بالخطب. والسؤال البسيط الذي لا مهرب منه:
ماذا جلبت سياسة حكمت الهجري للدروز خلال عام واحد؟
• هل تحسن الوضع الاقتصادي؟
➜ لا، بل أصبح رغيف الخبز الهمّ اليومي.
• هل زادت الحماية والأمان؟
➜ لا، بل زادت الهشاشة والعزلة.
• هل تعززت مكانتهم الوطنية؟
➜ بالعكس، تراجعت صورتهم وارتفعت حدة الشك تجاههم.
بينما سلطان الأطرش، رغم قسوة الظروف وقلة الإمكانات، ترك:
• سمعة نظيفة
• تاريخاً مشرفاً
• ومكانة لا تُشترى ولا تُعوَّض
⸻
خاتمة: المجد يُصنع… والعار يُستورد
سلطان الأطرش صنع المجد من نار وبارود، وحمى الدروز بإدخالهم في قلب المشروع الوطني.
أما حكمت الهجري، فقادهم – عن وعي أو سوء تقدير – إلى العار السياسي والعزلة الاجتماعية والفقر المعيشي.
والتاريخ لا يرحم:
• من يرفع الطائفة فوق الوطن، يخسر الاثنين.
• ومن يعزل جماعته عن محيطها، يتركها وحيدة في العراء.
هذه ليست إهانة لأحد، بل محاكمة سياسية أمام ميزان التاريخ.
والتاريخ، كما نعرف، لا يُجامل