أخبار سوريا

انتهاء اجتماعات وزراء خارجية تركيا وسوريا والأردن في أنقرة

شهدت العاصمة التركية أنقرة مؤتمراً صحفياً مشتركاً لوزراء خارجية تركيا والأردن وسوريا، أعقب اجتماعاً ثلاثياً وصف بـ”البناء والمثمر”. ركز فيه وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني على القضايا المحورية التي تؤثر على استقرار سوريا والمنطقة، مستعرضاً رؤية دمشق للمرحلة المقبلة وداعياً إلى تعزيز التعاون الإقليمي ومواجهة التحديات المشتركة، مع التأكيد على رفض التدخلات الخارجية والاعتداءات على السيادة الوطنية.

واستهل الوزير السوري كلمته بتقديم الشكر لوزير الخارجية التركي على استضافة الاجتماع، وعبر عن تقديره لمشاركة نظيره الأردني. وهنأ الحكومة التركية والشعب التركي على “الإتفاق الأخير مع حزب العمال الكردستاني”، معتبراً هذه الخطوة “لحظة فارقة، ليس فقط لأمن تركيا الداخلي، بل إستقرار منطقتنا ككل”. وأشار إلى أن نجاح هذا الجهد هو “صميم الأهداف التي اجتمعنا من أجلها اليوم، إستعادة الأمن وصون السيادة وإنهاء الدوائر، العنف المتكررة في منطقتنا”.

تعزيز التعاون الأمني ومواجهة الجماعات المسلحة:

أكد الوزير السوري على تجديد الالتزام بتعزيز التنسيق الأمني بين الدول الثلاث. ووصف هذه الشراكة بأنها “لم تعد خيارا، بل ضرورة ملحة”. وأوضح أن الهدف من هذا التعاون هو “مواجهة التهديدات العابرة للحدود، ورصد تحركات الجماعات المسلحة، ومنع تسلل الطرفين إلى أراضينا المشتركة”. وشدد على أن “الأمن ليس شأنا وطنيا فحسب، بل هو الأساس التي الذي تبنى عليه عملية إعادة الإعمار والمصالحة وترسيخ الثقة الإقليمية”. وحذر الوزير السوري قائلاً: “لن نسمح باستمرار الميليشيات المدعومة من الخارج أو العناصر الخارجة عن القانون في زعزعة إستقرارنا”، معتبراً وجودهم “خطر على سلامة أوطاننا، وعقبة في طريق السلام”. هذا التأكيد على التنسيق الأمني وتحديد التهديدات المشتركة لاقى صدى لدى وزير الخارجية التركي الذي أشار إلى أن “التنظيمات الإرهابية” داخل سوريا تعد من ضمن أولويات تحقيق الأمن، وخاصة محاربة “داعش”. كما أكد الوزير الأردني على ضرورة التصدي معا لتنظيم داعش والإرهاب بكل أشكاله، معتبراً أنه “خطر ليس فقط على سوريا، هو خطر علينا جميعا في المنطقة”.

إدانة الاعتداءات الإسرائيلية والتأكيد على السيادة:

تطرق الشيباني بشكل مفصل إلى الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية. ووصفها بأنها “انتهاكات مستمرة” و”خروقات ممنهجة للقانون الدولي، واستفزازات صريحة تهدد بإشعال المنطقة بأسرها”. وقال إن “الغارات الجوية الإسرائيلية على الأراضي السورية، والتي كثيرا ما تستهدف البنى التحتية المدنية، وتتسبب في سقوط الأبرياء”، “ليست أعمال دفاعا عن النفس، بل تصعيدات مدروسة تهدف إلى زعزعة استقرار سوريا وجر المنطقة إلى دوامة الصراع مجددا”.

ووجه دعوة للمجتمع الدولي بـ”ضرورة فرض المحاسبة على إسرائيل، والتمسك بالقانون الدولي”. كما طالب بـ”التنفيذ الكامل لاتفاقية يفض الاشتباك لعام 1974 باعتبارها إطارا قانونيا جوهريا لاستعادة الهدوء على جبهة الجولان المحتلة، وإلزام إسرائيل باحترام التزاماتها ووقف اعتداءاتها، والاعتراف بسيادة سوريا”. وأكد بشكل قاطع على أن “وحدة الأراضي السورية غير قابلة للمساومة، فسوريا دولة موحدة غير قابلة للتجزئة، وسيدة على أرضها، وستبقى كذلك”.

في إجابة لاحقة على سؤال صحفي حول الاعتداءات الإسرائيلية، أكد الوزير السوري أن سوريا “لديها الحق في الدفاع عن نفسها، في الوقت الذي تختاره”. وأشار إلى أن القصف الممنهج من إسرائيل يهدف إلى “زعزعت الاستقرار”. وأضاف أن الشعب السوري “أبدى و وأعلن عن موقفه المساند لحكومته تجاه هذه الإعتداءات”.

هذا الموقف حظي بدعم قوي من وزير الخارجية الأردني، الذي وصف الاعتداءات الإسرائيلية بأنها “عدوان متجدد على سوريا” ومحاولة “التدخل في الشؤون السورية وبث الفرقة و الفتنة والانقسام في سوريا”. وقال إن هذا الأمر “نتصدى له ونرفضه و نشرحه للعالم كله خطورته”. وأكد أنه “لا لإسرائيل في أن تعتدي على الأرض السورية”، وأن تدخلات إسرائيل “لن تجلب الأمن لإسرائيل. ولن تجلب لسوريا إلا الخراب، والدمار”. وعبر عن القلق الأردني إزاء “الجنوب السوري، موضوع الجنوب السوري هو حدودنا المباشرة، هو أمننا الإستراتيجي بالنسبة لنا في المملكة”. ودعا إلى “وقف هذه العدوانية الإسرائيلية، و إلزام إسرائيل إحترام سيادة سوريا و عدم التدخل بشؤونها”. كما أشار وزير الخارجية التركي إلى أن تهديد إسرائيل لأراضي سوريا وأمنها وصل إلى بعد خطير، وأكدوا على ضرورة إيقاف هذا التهديد. وذكر وزير الخارجية الأردني أن الحكومة السورية “ملتزمة باتفاقية 1974″، وأن الرد الإسرائيلي كان “غطرسة وعدوان، وتدخلات عبثية تستهدف أمن سوريا واستقرارها”، بما في ذلك “قصف المقر الرئاسي سواء في احتلال أرض سورية جديدة سواء في عبثها بالنسيج الاجتماعي السوري”.

الاتفاق مع “قسد”:

تطرق الوزير السوري إلى الوضع الداخلي، معلناً عن العمل على تنفيذ “الاتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية، ودمج جميع المناطق تحت سلطة الدورة الدولة المركزية”. واعترف بأن هذه العملية “معقدة وحساسة، لكنها ضرورية”. وأكد بوضوح أن “حقوق المواطنين الأكراد محفوظة ومكفولة على قدم المساواة مع سائر أبناء الشعب السوري”. وحذر من أن “المماطلة في تنفيذ هذا الإتفاق سيطيل أمد الفوضى، ويفتح الباب أمام التدخلات الأجنبية، ويغذي النزعة الإنفصالية”. وأكد أن “هدفنا ليس الهيمنة، بل التوحيد، ورسالتنا إلى جميع السوريين، المستقبل لسوريا الواحدة الموحدة”.

في إجابة على سؤال حول الاتفاق مع “قسد”، أوضح الوزير السوري أن “الإدارة السورية الجديدة منذ وصولها إلى الحكم في ديسمبر… انتهجت… حل جميع المشاكل التي نشهدها في سوريا بالحوار”. وأضاف أنهم حريصون على “إنفاذ هذا الاتفاق” ويأملون من الجانب الآخر أن يكون “ملتزما التزاما جادا بتنفيذ هذا الاتفاق”. وذكر أن “الوضع في شمال شرق سوريا، حيث يحتاج المواطنون هناك أن يصلوا إلى مؤسسات وطنية ونحن بحاجة أيضا إلى إعادة تفعيل مؤسسات الدولة في تلك المناطق”. بالإضافة إلى ذلك، هناك “مليون سوري ممن هجروا من تلك المناطق يريدون أن يعودوا”. وأكد أن دمشق  تنتظر من”أن يقابلنا الطرف الآخر بإرادة صادقة ونفسح المجال للمواطنين أن يعودوا إلى مناطقهم ونفسح المجال للدولة السورية أن تعيد تفعيل المؤسسات الحكومية هناك”، وينطلقون “بإرادة صادقة لبناء السلام والاستقرار في تلك المنطقة”. وزير الخارجية التركي أشار أيضاً إلى أن ثلث الأراضي السورية تحت سيطرة YPG (قسد)، وأنهم تحدثوا عن الخطوات الممكن اتخاذها لإنهاء هذه السيطرة، واستمعوا للجانب السوري حول هذا الأمر.

المرحلة السياسية الجديدة والتعافي الاقتصادي:

أشار  الشيباني إلى أن سوريا في طور تأسيس “مرحلة سياسية وطنية جديدة، من خلال تشكيل برلمان وطني يعكس التنوع الكامل للشعب السوري”. واعتبر هذه الخطوة “محطة مفصلية في مسار إستعادة الحوكمة الشرعية والتمثيلية”. ووجه دعوة “لجميع السوريين بغض النظر عن انتماء أو الجغرافيا، إلى المساهمة الفعلية في بناء المستقبل”. وأكد أن “إعادة إعمار سوريا، تتطلب تضافر كل الجهود، وسماع كل الأصوات”. وشدد الوزير السوري على أن “سوريا لن تعود إلى الحرب”، وأنها “ستلجأ إلى كافة الوسائل القانونية والأمنية اللازمة للحفاظ على السلم الأهلي وضمان أن لا تتكرر مآسي الماضي”.

على الصعيد الدبلوماسي والاقتصادي، أشار الوزير السوري إلى بدء “حوار تعاون مع وزارة الخارجية التركية بهدف تبادل الخبرات، وبنائي أساس من الثقة المؤسسية طويلة الأمد”. وأعلن عن “خطوات عملية لفتح سفارة الجمهورية العربية السورية في أنقرة، وإفتتاح قنصلية جديدة في غازي عنتاب. بالإضافة لموقعنا في إسطنبول”. كما يجري التنسيق مع الجهات التركية المختصة لتيسير حصول السوريين المقيمين في تركيا على الخدمات وضمان حريتهم في التنقل وتمكينهم من إعادة بناء حياتهم. في المجال الاقتصادي، تعمل وزارتا الطاقة والنقل السوريتين بالتنسيق مع نظرائهما في تركيا لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاقيات لإعادة تأهيل البنية التحتية وتعزيز التنقل وتحفيز التعافي الاقتصادي. واعتبر أن “الاستقرار الاقتصادي شرط أساسي لتحقيق السلام” وأن هذه الاتفاقيات “ستخدم سوريا وتركيا على حد سواء، وستمهد الانطلاقة تنموية في المنطقة بشكل عام”. كما أعلن عن اتفاق مع وزير الخارجية الأردني على إنشاء “قمة حكومية سنجريها في دمشق في الفترة المقبلة”. وزير الخارجية التركي ذكر أيضاً أنه تم الحديث عن المساعدات التي يمكن تقديمها للجانب السوري في ناحية الطاقة والاستثمارات والتعاون في هذا المجال. والوزير الأردني أشار إلى بحث خطوات عملية لدعم سوريا والمساعدة في تفعيل المؤسسات وبناء القدرات وبناء علاقات اقتصادية وتجارية واستثمارية.

العقوبات والعودة الطوعية:

تطرق الوزير السوري إلى قضية العقوبات المفروضة على سوريا. مشيراً إلى أن “آلاف السوريين من مهندسين وأطباء وأصحاب مصانع” بدأوا العودة لوطنهم للشروع في إعادة إعمار مجتمعاتهم. لكن جهودهم تواجه “عقبة كبرى، وهي استمرار العقوبات المفروضة على بلدنا”. ووصف هذه العقوبات، التي تعود لـ”عهد النظام السابق، والتي كان يفترض أن تنتهي بسقوط هذا النظام”، بأنها “لم تعد تحقق أي هدف سياسي مشروع، بل أصبحت وسيلة لمعاقبة الشعب السوري”. حيث تعيق الاستثمارات وتمنع استيراد السلع وتشل الاقتصاد. وطالب بـ”إعادة تقييم هذه العقوبات الجائرة بشكل فوري”. لا سيما في سياق الجهود المبذولة لتأمين “العودة الطوعية والآمنة والكريمة لجميع السوريين”. مؤكداً أن “هذه العودة لا يمكن أن تتحقق في ظل هذا الحصار الإقتصادي”. وذكر أن حواراً جاداً بدأ مع الاتحاد الأوروبي في هذا الشأن، معرباً عن أمله في أن تثمر هذه الجهود عن رفع العقوبات والإنخراط في دعم التعافي الوطني. الوزير التركي أيضاً كان قد أشار إلى ضرورة رفع العقوبات عن سوريا من قبل الدول الغربية، وخاصة العقوبات التي فرضت على نظام الأسد من قبل الولايات المتحدة والدول الأوروبية.

مكافحة الإرهاب ورؤية المستقبل:

أكد الشيباني عزم بلاده على “القضاء على داعش والمنظمات الإرهابية الأخرى من الأراضي السورية”، معتبراً أن مكافحة الإرهاب “مسؤولية عالمية”. وقال إن سوريا تخرج “من أحلك فصول تاريخها، وهي تحمل رؤية واضحة. ويد ممدودة. وإرادة صلبة للتعاون الإقليمي”. مؤكداً مجدداً: “نرفض التقسيم، ونرفض الهيمنة الخارجية، ونرفض سياسة اليأس”. وفي الختام، شدد على أنه “بدعم جيراننا في كل من تركيا والأردن، ومن خلال العمل الجماعي، يمكننا أن نبني شرقا أوسطا جديدا يرتكز على الكرامة والسيادة والسلامة المستدام”. هذه النقطة حول مكافحة الإرهاب كانت مشتركة ومؤكد عليها من قبل وزيري خارجية تركيا والأردن أيضاً. حيث أكد الوزير الأردني أن “سوريا الآمنة المستقرة هي سوريا الموحدة ذات السيادة التي ينعم فيها كل مواطنوها بحقوقهم كاملة. وهذا ما ندعمه بالمطلق في المملكة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى