اعتبرت وزارة الخارجية الهولندية أن الوضع الأمني في سوريا حالياً “غير مستقر” و”هش” بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في شهر ديسمبر الماضي.
وجاء ذلك في التقرير السنوي حول الوضع في سوريا، الذي أعدته وزارة الخارجية الهولندية بعد أن قرر القضاء الهولندي وجوب نشره إثر قضية رفعها سوري رُفض طلب لجوئه في المحاكم الهولندية.
وينتظر كلٌّ من الأحزاب الهولندية وعشرات الآلاف من اللاجئين وطالبي اللجوء السوريين تقييم الخارجية الهولندية بفارغ الصبر، كون مصيرهم في البلاد يعتمد عليه بشكل أساسي.
ويُعنى “التقييم السنوي” بسلامة طالبي اللجوء في بلدانهم الأصلية، وبناءً على هذا التقرير، يُقرر ما إذا كان يُسمح لهم بالبقاء (مؤقتاً) في هولندا أو يجب عليهم العودة.
“لا استنتاج عاماً” لكن الوضع “هش”
وعلى الرغم من أن التقرير الرسمي لا يتضمن “استنتاجاً عاماً” حول ما إذا كانت سوريا “آمنة” أم لا، فإنه يؤكد أن الوضع الأمني في سوريا حتى شهر أبريل كان “غير مستقر” و”هشاً” و”متقلباً” و”مجزأً للغاية”.
ووفقاً للباحثين الذين أعدوا التقرير، فإن ذلك يعني أن مستويات العنف كانت تتذبذب إلى درجة تجعل صورة الوضع الأمني تختلف من منطقة إلى أخرى، بل من مدينة إلى حيّ، وأحياناً من أسبوع إلى آخر.
ومقارنةً ببقية أرجاء البلاد، كانت دمشق “آمنة نسبياً” بعد سقوط النظام، وفقاً للتقرير الرسمي، على الرغم من أن الوضع في العاصمة كان أيضاً “هشاً”.
وفي بعض المناطق، مثل أجزاء من محافظتي حمص وحماة، والمناطق الحدودية وجنوبي سوريا، وُصِف الوضع الأمني بأنه “هش للغاية” أو “معقد”.
ولا يزال تنظيم داعش نشطاً في الشرق، كما تحتل إسرائيل جزءاً من جنوب غربي سوريا، حيث نفذت ضربات جوية في مناطق عدة.
وتطرق التقرير إلى أحداث الساحل في محافظتي اللاذقية وطرطوس، مشيراً إلى أن “السلطات الجديدة واجهت تمرداً من جانب فلول مسلحة تابعة لأجهزة أمن النظام المخلوع، ما أدى إلى تصعيد طائفي جزئي في مارس/ آذار 2025، وأسفر عن مقتل مئات المدنيين”.
كما تحدث التقرير عن وقوع أعمال عنف طائفية وحالات خطف في وسط وغربي سوريا، مشيراً إلى أنه، في ظل غياب خطوات للعدالة الانتقالية من جانب الحكومة الانتقالية، أقدمت بعض الجماعات المسلحة والأفراد على تنفيذ أعمال انتقامية.
وخلص التقرير إلى أن الوضع الأمني لا يزال “هشاً” في محافظتي اللاذقية وطرطوس الساحليتين، وفي مدينة حمص ومحيطها.
انتهاكات إسرائيل أسهمت بوضع أمني “غير مستقر”
كما أشارت الخارجية الهولندية إلى الاعتداءات والتوغلات الإسرائيلية، وأفادت بأنه “خلال الفترة المشمولة بالتقرير، قصف الجيش الإسرائيلي أهدافاً عسكرية في ثماني محافظات على الأقل، واحتل منطقة عازلة كانت منزوعة السلاح سابقاً، وتقدّم في عمق جنوب غربي سوريا، كما طالبت إسرائيل بمنطقة جنوبية منزوعة السلاح، وأعلنت الدفاع عن الدروز في سوريا”.
وذكر التقرير أن “الأنشطة العسكرية الإسرائيلية في القنيطرة ودرعا، والتدخل فيما يتعلق بالدروز، ساهمت في خلق وضع سياسي وأمني غير مستقر في عموم الجنوب”.
ويوم الجمعة، أجبر القاضي في محكمة “روموند” الحكومة، بموجب قانون الشفافية الحكومية، على نشر التقرير الرسمي، وذلك في إطار قضية رفعها طالب لجوء سوري طعن في قرار رفض لجوئه.
ويُعد قرار القاضي “لافتاً للانتباه”، إذ قررت الحكومة المنتهية ولايتها إبقاء التقارير الرسمية سرّية مستقبلاً. ووفقاً لها، فإن محامي اللجوء ومهربي البشر قد يُسيئون استخدام هذا التقرير، وهو ما أثار انتقادات شديدة من خبراء ومنظمات تعنى بشؤون الهجرة واللجوء.
ويضم التقرير 164 صفحة تناولت الوضع الأمني، وظروف المعيشة، ووضع حقوق الإنسان، والحماية القانونية في سوريا.
ومنذ سقوط الأسد، ناقش مجلس النواب علناً إمكانية عودة طالبي اللجوء السوريين، بل وحتى اللاجئين الحاصلين على تصاريح إقامة مؤقتة في المستقبل.
وفي مارس/ آذار الماضي، صرّحت وزيرة اللجوء والهجرة المستقيلة مؤخراً، مارولين فابر، بأن سوريا “آمنة للغاية الآن”، واستندت في هذا التقييم إلى عودة عشرات السوريين المقيمين في هولندا طوعاً إلى بلادهم.
كما دعا زعيم حزب الحرية اليميني المتطرف، خيرت فيلدرز، إلى ضرورة إعلان سوريا “آمنة”، وعودة طالبي اللجوء واللاجئين السوريين، وكتب على منصة X بعد رفع العقوبات المفروضة على سوريا: “لا يوجد الآن أي سبب على الإطلاق لعدم إعادة اللاجئين السوريين إلى سوريا”.
ودعت أحزاب أخرى إلى التريث حتى صدور التقرير الرسمي، في حين ذكرت الحكومة المنتهية ولايتها أخيراً أنه في حال إعلان بعض المناطق في سوريا “آمنة”، يمكن من حيث المبدأ إعادة اللاجئين إليها.
ويُنتظر حالياً صدور قرار بشأن طلبات لجوء نحو 15 ألف سوري في هولندا، إلى جانب 30 ألف طلب لمّ شمل معلق، بينما يعيش في البلاد نحو 160 ألف سوري، عاد منهم 380 شخصاً طواعيةً عبر برنامج حكومي خاص.