ذكرت صحيفة فاينانشال تايمز أن بشار الأسد، رغم الدمار الذي يحيط بسوريا، لا يزال محافظًا على كرسي الحكم، مستفيدًا من التحولات الإقليمية الكبرى التي تشهدها المنطقة. ويرى الأسد في ضعف حلفائه التقليديين، إيران وحزب الله، فرصة للتقارب مع روسيا والخليج والدول العربية الأخرى، بهدف تعزيز موقفه السياسي وضمان استمرار سيطرته.
الصحيفة أشارت إلى تجاهل المجتمع الدولي للمأساة المتفاقمة في سوريا، في ظل تركيزه على الحروب الدائرة في غزة ولبنان. ورغم هذا التجاهل، تواجه سوريا موجات عنف متصاعدة. فمن جهة، تشن إسرائيل غارات شبه يومية تستهدف مواقع عسكرية إيرانية وسورية، منها منشآت حيوية مثل المنشأة العلمية والعسكرية التي دُمرت في سبتمبر/أيلول، والتي كانت تُدار بشكل مشترك بين إيران وسوريا وحزب الله.
وفي الشرق السوري، هاجمت الميليشيات المدعومة من إيران مواقع أميركية، مما دفع واشنطن إلى الرد بعمليات انتقامية واسعة النطاق. على الجانب الآخر، صعدت تركيا قصفها للمواقع الكردية شمال شرق سوريا بعد هجوم استهدف منشأة دفاعية في أنقرة. وفي إدلب، يستمر النظام السوري بدعم من روسيا في قصف معاقل المعارضة، ما يشير إلى احتمال شن حملة برية جديدة.
تضيف الصحيفة أن الأسد يراقب هذه التطورات بحذر شديد، مدركًا أن استمراره في السلطة يعود بالأساس إلى الدعم الذي قدمته له إيران وحزب الله خلال الحرب. لكنه بات يشعر بالإحراج من اعتماده الكبير على هذين الحليفين. ومن وجهة نظره، يمكن أن يؤدي ضعف إيران وحزب الله إلى تخفيف الضغوط عليه، مما يسمح له بالاعتماد بشكل أكبر على روسيا وتعزيز علاقاته مع الخليج والدول العربية.
الصحيفة نوهت إلى أن الأسد، في سعيه للحصول على الدعم المالي والاحترام السياسي، يعتقد أن روسيا قادرة على مواجهة النفوذ الغربي، وتسهيل تقاربه مع تركيا وتسريع عودته إلى المشهد العربي. وقد ظهر ذلك بوضوح خلال مشاركته في مؤتمر الرياض لدعم القضية الفلسطينية، حيث التقى بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي أنهى عزله من جامعة الدول العربية في عام 2023.
وأوضحت الصحيفة أن محاولات إعادة تأهيل الأسد تكتسب زخمًا متزايدًا، خاصة من دول أوروبية مثل إيطاليا والمجر واليونان، التي تسعى للتخلي عن سياسة العزلة السابقة. هذه الدول تأمل أن يوافق الأسد على إعادة اللاجئين السوريين في مقابل تقديم دعم مالي وغطاء سياسي، لكن التقرير يشير إلى أن الأسد يستخدم هذه الملفات كورقة ضغط، دون تقديم أي تنازلات حقيقية.
واختتم التقرير بالإشارة إلى أن الأسد يعتمد نهجًا ثابتًا يقوم على رفض التنازلات السياسية، معتمدًا على انتظار تغير الظروف لصالحه. ورغم التحديات التي تواجهه، يراهن الأسد على قدرته على المناورة لتحقيق أهدافه، لكنه يخاطر بخسارة كل شيء إذا لم يتغير الوضع الإقليمي لصالحه.