أخبار سوريا

دراسة لمركز حرمون تقدم توصيات لإعادة بناء الأمن وجيش وطني موحد في سوريا

نشر مركز حرمون للدراسات المعاصرة دراسةبعنوان “إعادة بناء الأمن في سورية: تحديات واستراتيجيات نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج وإصلاح القطاع الأمني (DDR/ SSR)”، تقدّم إطارًا شاملًا لإعادة بناء الأمن في سوريا، من خلال دراسة تقنية معمّقة لتحديات واستراتيجيات نزع السلاح، والتسريح، وإعادة الإدماج (DDR)، وإصلاح القطاع الأمني (SSR). تُمثّل هذه الورقة جهداً منهجياً لتأطير المرحلة الانتقالية ما بعد سقوط النظام في كانون الأول 2024، واقتراح خارطة طريق عملية لإعادة بناء مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية، بما يضمن الاستقرار الطويل الأمد، ويُحوّل القوى المسلحة غير النظامية إلى جزء من نسيج الدولة الجديدة.

بعد سقوط النظام في كانون الأول 2024، برزت حاجة ماسّة لإعادة بناء المؤسسات الأمنية والعسكرية بشكل يضمن الانتقال من حالة النزاع إلى السلام المستدام. ولهذا الغرض، تسلط الدراسة الضوء على مسارين مترابطين:

  1. برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج (DDR)

  2. إصلاح القطاع الأمني (SSR)

الدراسة تفترض أن نجاح هذين المسارين يتطلب بيئة مستقرة، إرادة سياسية، وانخراطاً جاداً من مختلف الفاعلين المحليين والدوليين، مع ربطهما بعملية عدالة انتقالية ومشروع تنمية اقتصادي واجتماعي شامل.

تعتمد الدراسة على تحليل مزدوج: نظري وميداني، انطلاقاً من التجارب الدولية المقارنة، ومروراً بالسياق السوري الفريد، وصولاً إلى تصنيف دقيق لمختلف الفصائل والقوى المحلية، وفق معايير الانضباط، الأيديولوجيا، والقدرة على الدمج. نناقش فيها بواقعية صادمة التعقيدات الناتجة عن تشرذم البنية الأمنية، وغياب العقيدة الوطنية الموحدة، إضافة إلى التحديات المرتبطة بالمقاتلين الأجانب، وملف الضباط المنشقين، وتوزيع الولاءات الطائفية والمناطقية.

أهم التحديات:

  • تعدد الفصائل المسلحة وتضارب أجنداتها، ورفض بعضها التخلي عن السلاح من دون ضمانات.

  • الانقسامات العرقية والطائفية، وغياب تسوية سياسية وطنية جامعة.

  • التدخلات الإقليمية والدولية التي تقوض أي عملية إعادة هيكلة مستقلة.

  • افتقار البنية القانونية الدولية الملزمة التي تنظم عمليات DDR/SSR، واعتمادها فقط على المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة.

عقب سقوط نظام الأسد، تواجه سوريا تحديات كبيرة، أهمّها مسألة بناء مؤسسة عسكرية وأمنية وطنية موحّدة، وذلك من خلال دمج التشكيلات العسكرية الحالية كافة، والتعامل مع جيش النظام السابق الذي حلّته الإدارة الجديدة. وفي هذا السياق، تبرز أهمية تطبيق برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج، إلى جانب إصلاح القطاع الأمني وإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية والأمنية، كركيزتين أساسيتين، لضمان الانتقال من حالة النزاع إلى بناء السلام المستدام.

ولا شك في أن البيئة السياسية والاجتماعية والأمنية في سوريا، بما تحمله من تشرذم فصائلي وتداخلات خارجية وانقسامات مجتمعية عميقة، تُعقِّد إمكانية تنفيذ هذه البرامج بسلاسة ويسر، ما يتطلب نهجاً شمولياً متعدد المستويات، حيث تتمثل مقومات نجاح أي استراتيجية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج وإصلاح القطاع الأمني في توفير ضمانات أمنية وسياسية موثوقة، وتصميم برامج اقتصادية واجتماعية تقدّم بدائل واقعية للمقاتلين السابقين، من خلال توفير فرص العمل، ودعم التأهيل النفسي والاجتماعي، والمشاركة المجتمعية الفاعلة. وتأتي أهمية هذه الدراسة من مناقشة تفاصيل هذه القضايا وتبيين مواضع الإشكال فيها.

توصّلت الدراسة إلى ضرورة وجود بنية قانونية ومؤسسية قوية، وإطار عدالة انتقالية يعالج مظالم الماضي، ويمهّد لمصالحة وطنية شاملة، إذ إن عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج وإصلاح القطاع الأمني ترتبط ارتباطاً وثيقاً بجهود إعادة الإعمار والتنمية، ولا يمكن تحقيق إعادة إدماج حقيقية من دون ربطها بتحوّل اقتصادي يفتح آفاقاً جديدة أمام الأفراد والمجتمعات، لتجاوز هذه العقبات.

وتوصي الدراسة بضرورة وجود تنسيق وثيق بين الأطراف المحلية ذات الشأن والجهات الدولية الفاعلة (الحكومات، والمجتمع المدني، والداعمون الإقليميون)، لضمان شمول العملية ونجاحها واستدامتها، ولتحقيق الانتقال الآمن من واقع الفوضى إلى مؤسسات وطنية مستقرة تعكس تطلعات السوريين جميعًا.

وتوصي الدراسة بعملية تبدأ بتشكيل هيئة وطنية مستقلة لإدارة ملفات نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج وإصلاح القطاع الأمني ضمن إطار قانوني شفاف، وتدعو لخلق بيئة سياسية جامعة، تشمل عقدًا اجتماعيًا جديدًا يضمن المساءلة الفردية لا الجماعية، ويحمي ضحايا النزاع من دون أن يُقصي المقاتلين. كما نُبرز الحاجة إلى توافق إقليمي ودولي لضمان نجاح هذه البرامج، وضرورة ربطها بشكل وثيق بالعدالة الانتقالية والتنمية الاقتصادية، وتوفير مسارات مدنية واضحة للمقاتلين المسرّحين تضمن كرامتهم واندماجهم الكامل.

وتأكد الدراسة على أهمية عدم تكرار أخطاء التجارب السابقة في العراق، جنوب السودان، وأفغانستان، حيث أدّى تفكيك المؤسسات من دون خطط إدماج فعالة إلى إعادة إنتاج الفوضى. بالمقابل، الاستفادة من تجارب ناجحة جزئياً مثل البوسنة ورواندا، التي اعتمدت آليات متكاملة في التعامل مع الذاكرة المجتمعية، والتنوع الإثني، وبناء الثقة. بناءً عليه، تقدّم الدراسة مقاربة سورية خالصة تقوم على الدمج المرحلي، والإصلاح المؤسسي، والمساءلة الشفافة، ضمن جهاز أمني متعدد التمثيل، يعكس التركيبة الوطنية ويخضع لرقابة مدنية صارمة.

دروس مستفادة من تجارب دول أخرى:

  • العراق: حل الجيش السابق من دون خطط إدماج فتح الباب للفوضى والطائفية.

  • رواندا: دمج تدريجي للجنود بعد عمليات تدقيق، واعتماد محاكم تقليدية للعدالة والمصالحة.

  • البوسنة: دمج الفصائل في جيش واحد وفق نظام حصص عرقية وتقديم دعم تعليمي ومهني للمقاتلين.

  • لبنان: اتفاقات جزئية واستثناء “حزب الله” من نزع السلاح أدى إلى هشاشة أمنية دائمة.

  • أفغانستان وجنوب السودان: التمويل الضعيف والتدخلات الخارجية أدت إلى إعادة انبعاث العنف بعد فشل برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج.

وقال الباحث المشارك المعد نوار شعبان: “إن هذا التحليل لا يقدّم فقط مسودة تقنية لهيكلة جديدة للجيش والأمن، بل يؤسس لفلسفة أمنية جديدة في سوريا، تقوم على أن المواطن هو جوهر الأمن، وأن الاحترافية والشفافية والولاء الوطني يجب أن تكون معايير التقييم، لا الأيديولوجيا أو الاصطفاف السياسي. وتؤكد على أن نجاح برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج وإصلاح القطاع الأمني ليس فقط مؤشراً على نهاية النزاع وإشكالياته، بل على بداية بناء سورية الجديدة، المستقرة، والمواطِنة، والموحدة تحت راية القانون والدولة المدنية”.

توصيات استراتيجية:

  1. دمج برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج وإصلاح القطاع الأمني ضمن مشروع وطني واحد: بحيث لا تُنفذ برامج نزع السلاح من دون وجود هيكل أمني بديل يعكس التعدد السوري، ويُدار برقابة مدنية ومجتمعية، بعيدًا عن الهيمنة الحزبية أو الطائفية.

  2. تجنب الإقصاء الكامل للمقاتلين: بل إشراكهم تدريجيًا ضمن مؤسسات الدولة، واستبعاد من تورط في جرائم حرب فقط، بعد إخضاعه للمحاسبة القضائية.

  3. تصميم برامج اقتصادية مستدامة: توفير فرص عمل، دعم المشاريع الصغيرة، منح القروض، وتوفير التدريب والإرشاد النفسي للمسرّحين.

  4. بناء عقد اجتماعي جديد: يرفض العنف كأداة للسلطة، ويستند إلى نظام سياسي ديمقراطي ومؤسساتي يعيد تعريف المواطنة.

  5. ربط عملية DDR بالعدالة الانتقالية: لطمأنة الضحايا وضمان عدم شعورهم بتجاوز مظالمهم، وبناء الثقة داخل المجتمع.

  6. ضرورة الدعم الدولي: سواء عبر التمويل أو المراقبة أو الإشراف التقني والعسكري، خاصة في مرحلة إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية.

  7. التعامل الحذر مع قضية المقاتلين الأجانب: من خلال فحص دقيق، وعدم منح الجنسية إلا ضمن شروط مشددة، لمنع التلاعب الديمغرافي وتهديد الأمن القومي.

  8. الاستثمار في التعليم والتدريب: لتمكين المقاتلين السابقين من التحول إلى أفراد منتجين في المجتمع، والخروج من اقتصاد الحرب إلى اقتصاد الدولة.

أبرز ما تقترحه الدراسة لسوريا تحديداً:

  • تصنيف الفصائل المسلحة بين مؤهلة للدمج (DDR + SSR)، أو فقط للتفكيك من دون دمج، أو فصائل أجنبية يجب استبعادها.

  • استخدام تجربة اللواء الثامن في درعا كنموذج لدمج فصائل التسوية ضمن المؤسسات الجديدة.

  • الاعتماد على الضباط المنشقين كنواة لبناء جيش وطني جديد، واستبعاد ضباط النظام المتورطين في الانتهاكات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى